فكرة قديمة تطفو على السطح
لقد أثار المسؤولون الإسرائيليون فكرة إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة بشكل دوري منذ حرب عام 1967، عندما استولت إسرائيل على سيناء، ومؤخرا، طرحت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية فكرة مماثلة في وثيقة مسربة في وقت مبكر من الحرب الجارية، اقترحت الخطة إجلاء المدنيين في غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية وإنشاء “منطقة معقمة” لمنع عودتهم.
ولكن مثل هذه المقترحات لم تكتسب أي زخم، ويرجع هذا في المقام الأول إلى رفض مصر المستمر لأي محاولة لتفريغ أزمة غزة على أراضيها، وتؤكد القاهرة أن إسرائيل، بحكم احتلالها الطويل لغزة، تتحمل المسؤولية القانونية عن الجيب.
علاوة على ذلك، فإن التهجير القسري للفلسطينيين إلى مصر من شأنه أن يكون غير مرغوب فيه بشدة بين عامة الناس في مصر، الذين يعتبروا تاريخيا أكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية من النخبة السياسية في البلاد.
اقرأ أيضا.. ديب سيك تثير اضطرابًا بسوق الذكاء الاصطناعي.. هبوط بمقدار تريليون دولار
رفض مصر والأردن الحازم
عارضت مصر والأردن، بشكل لا لبس فيه التهجير القسري للفلسطينيين إلى بلديهما، ويخشى الأردن، الذي يؤوي بالفعل ملايين اللاجئين الفلسطينيين، ومصر، التي تستضيف عشرات الآلاف، أن تصبح أي هجرة قسرية من غزة دائمة ــ تماما كما كانت الحال مع النزوح الفلسطيني السابق من إسرائيل ولبنان وسوريا وغيرها من الأراضي.
وبعيدا عن المخاوف الإنسانية، فإن مصر لديها أسباب استراتيجية لرفض الفكرة، فإقامة معسكرات فلسطينية طويلة الأجل في سيناء من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة، ويوفر موطئ قدم محتمل للجماعات المسلحة، مما يعرض أمن مصر وعلاقتها الحساسة مع إسرائيل للخطر.
سياسة ترامب في الشرق الأوسط في حالة من الفوضى
إن تصريحات ترامب لا تتعارض مع مواقف مصر والأردن فحسب، بل يبدو أنها تتناقض أيضًا مع أي استراتيجية سلام قابلة للتطبيق في الشرق الأوسط، إن طموحه المعلن للتوسط في صفقة تطبيع تاريخية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل يواجه بالفعل عقبات – وأبرزها إصرار الرياض على إحراز تقدم جوهري نحو إقامة الدولة الفلسطينية، ومن المرجح أن يؤدي أي تصور للتطهير العرقي واسع النطاق في غزة إلى إخراج هذه الجهود عن مسارها بالكامل.
وقد أثارت تعليقاته انتقادات دولية سريعة، وأكدت ألمانيا، التي تمثل إجماعًا أوروبيًا أوسع، معارضتها لأي تهجير قسري للفلسطينيين، وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية على تحالف برلين مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والشركاء العرب في رفض مثل هذه المقترحات.
ردود الفعل في الداخل
على الصعيد المحلي، أثارت تصريحات ترامب أيضًا ردود فعل عنيفة، حتى أن مؤيديه داخل الدوائر العربية الأمريكية نأوا بأنفسهم عنها، وأصدر الدكتور بشارة بحبح، رئيس منظمة “العرب الأميركيون من أجل ترامب”، إدانة شديدة، حيث صرح بأن المجموعة “ترفض بشدة” أي اقتراح بنقل الفلسطينيين – طوعًا أو كرهًا – إلى مصر أو الأردن.
إن الجدل الدائر حول تصريحات ترامب يؤكد على القضية الأوسع نطاقًا: الافتقار إلى سياسة متماسكة ومنظمة في الشرق الأوسط، وسواء كانت الفكرة قد زرعت في ذهنه من قبل شخصيات إسرائيلية من أقصى اليمين أو نشأت بشكل مستقل، فإنها تتعارض مع أي إطار قابل للتطبيق للسلام الطويل الأمد في المنطقة.