القاهرة (خاص عن مصر)- كشف انهيار نظام الأسد الذي دام 54 عامًا في سوريا عن المدى المروع للفظائع والجرائم التي تقودها الدولة. تكشف السجون المهجورة عن أدوات التعذيب، وتوثق السجلات الرسمية آلاف المعتقلين، وتشهد المقابر الجماعية على الأهوال التي ارتكبت ضد المعارضين.
مع تولي الحكومة الجديدة بقيادة المتمردين المسؤولية، يطالب السوريون بالعدالة لعقود من القمع والتعذيب والقتل.
وفقا لتقرير نيويورك تايمز، أكد أيمن أصفري، رئيس مدنية، وهي شبكة حقوق إنسان سورية، “لا يمكننا تحقيق النهاية إلا عندما نجلب هؤلاء الجناة إلى العدالة”. ومع ذلك، فإن تحقيق المساءلة في بلد مزقته الحرب ومنقسم يفرض عقبات هائلة.
ثقل التاريخ: الدروس المستفادة من الربيع العربي
إن رحلة سوريا نحو العدالة تعكس كفاح دول عربية أخرى في تأمين العدالة الشاملة لجرائم الأنظمة السابقة. وفي سوريا، هناك تحديات فريدة، بما في ذلك الانقسامات الطائفية ونظام العدالة المتهالك، تزيد من تعقيد الطريق إلى الأمام.
لقد كانت الطبقات العليا من نظام الأسد خاضعة لسيطرة العلويين، في حين أن القيادة الجديدة تنحدر في المقام الأول من الأغلبية السنية. وتهدد الملاحقات القضائية بإعادة إشعال التوترات الطائفية. بالإضافة إلى ذلك، تركت سنوات الفساد والحرب نظام العدالة غير مجهز للتعامل مع النطاق الواسع للانتهاكات.
وقالت نيرما جيلاسيتش من لجنة العدالة والمساءلة الدولية: “هذه العمليات تستغرق وقتًا ولا يمكن أن تحدث بين عشية وضحاها”. ويؤكد الخبراء على الحاجة إلى نهج منهجي يوازن بين العدالة وإعادة بناء دولة منهكة حيث يعيش تسعة من كل عشرة أشخاص في فقر.
اقرأ أيضًا: لحظة فاصلة بعد انتخاب لبنان رئيسًا جديدًا.. انتصار للدبلوماسية السعودية
تحقيق التوازن بين العدالة والاستقرار
تواجه السلطات الانتقالية في دمشق ضغوطًا هائلة لتحقيق العدالة. لقد تعهد الزعيم الفعلي أحمد الشرع بكشف ومحاكمة كبار الشخصيات في النظام السابق، بدءاً بقائمة من المسؤولين المتورطين في التعذيب. ومع ذلك، فإن تتبع هذه الأرقام مهمة شاقة، حيث سعى العديد منهم، بما في ذلك بشار الأسد، إلى اللجوء إلى روسيا أو اختبأوا.
لقد أمضت جماعات حقوق الإنسان أكثر من عقد من الزمان في جمع الأدلة للملاحقات القضائية. ومع ذلك، حذر فرناندو ترافيسي، المدير التنفيذي للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، من التسرع في المحاكمات.
بدلاً من ذلك، أكد على الحاجة إلى قيام الحكومة الجديدة ببناء الثقة من خلال معالجة الاحتياجات الفورية للسوريين، من المساعدات الإنسانية إلى التعافي الاقتصادي.
وأشار ترافيسي إلى أنه “بدون مؤسسات ذات مصداقية، فإن جهود العدالة معرضة لخطر أن يُنظر إليها على أنها مدفوعة سياسياً”، مستشهداً بنظام العدالة الفاشل في تونس بعد الثورة كقصة تحذيرية.
المصالحة والشفاء
يجب أن تكون المصالحة محورية لعملية العدالة في سوريا. ويدعو الخبراء إلى مبادرة “قول الحقيقة” على غرار لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري. إن هذا الحساب الأوسع من شأنه أن يساعد السوريين على مواجهة إرث النظام من القمع مع تعزيز الشفاء والوحدة.
أكد ستيفن جيه راب، السفير الأميركي السابق للعدالة العالمية، على أهمية تجنب المحاكمات التي تحركها الانتقام. وقال: “إن عملية العدالة المنظمة بشكل جيد يمكن أن تنزع فتيل التوترات الطائفية وتمنع دورات العنف”.
ولدعم هذه الرؤية، يتعين على الحكومة الانتقالية في سوريا إصلاح الشرطة والقضاء، وإنشاء إطار قانوني لانتهاكات حقوق الإنسان، وإنشاء محكمة خاصة لأخطر الجرائم. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تظل الجهود الرامية إلى تحديد مكان المفقودين البالغ عددهم 136 ألف شخص وتحديد هوية ضحايا المقابر الجماعية على رأس الأولويات.
خطر العدالة المتأخرة
إن العدالة المتأخرة تهدد بتأجيج المزيد من الاضطرابات. لقد ترك التقدم البطيء في تونس والعراق المواطنين محبطين وفاقم الانقسامات الاجتماعية. وقد تم الإبلاغ بالفعل عن عمليات قتل انتقامية وتهديدات ضد الأقليات المتحالفة مع نظام الأسد في سوريا، مما يؤكد على الحاجة الملحة إلى عملية عادلة وشاملة.
إن الطريق إلى العدالة في سوريا محفوف بالتحديات، ولكن المخاطر عالية للغاية بحيث لا يمكن التعثر فيها. وكما تسلط فيفيان يي الضوء على أن دروس الدول الأخرى تؤكد على الحاجة إلى نهج متوازن يعطي الأولوية للمساءلة والمصالحة والإصلاح المؤسسي.